حزب النهضة الارتري المستقبل الواعد
بقلم الأستاذ: محمد صالح حقوس
في هذا اليوم الموافق 6 من شهر يناير من عام 2016 نحتفل بمرور عشرة اعوام على تأسيس الحزب ودخوله العام الحادي عشر ويحق لنا ان نحتفل بذكرى التأسيس الذي شهد ولادة حزب كان اضافة حقيقية الى حراك المقاومة الارترية ضد البطش والظلم، كانت ولادته تعلية من صوت الرفض للديكتاتورية والعبودية والحكم بالاستبداد والحديد والنار كانت ولادته تعبير صادق عن حب الوطن والخوف مما يحمله المستقبل
من مخاطر ومهددات تطال الوطن والشعب برمته، في ظل نظام يمضي بالبلاد على غير رشد وهدى وبلا خطة واضحة وبلا سياسة تحمل طموحات شعبنا، وفي ظل تصرفات فردية لرئيس النظام طغت على كل مناحي الحياة فليس لأحد في بلادنا له الحق في التحدث عن ارتريا او شعبها إلا اسياس افورقي،فهو الوحيد الذي يعبر عن تطلعات شعبنا ويتصرف مع المجتمع الدولي والإقليمي بلا اخلاق وبلا روح تعبر عن ثقافة شعبنا وتقاليده، وبذلك نجده قد حول البلاد الى مزرعته الخاصة والشعب كله كقطيع من الغنم ولكنه لا يوفر لهم الطعام والشراب فتحولت المزرعة الى يباب.
ان هذا الاحتفال ليس لمجرد احياء لذكرى التأسيس ونعلن فيها الافراح ولكنها مناسبة نربط فيها البدايات بالنهايات والأسباب بالنتائج، فيها نجد الفرصة مناسبة للوقفة الصادقة مع النفس ومع الذات على مستوى العضو وعلى كل المستويات الهرمية في سلم بناء الحزب لنخاطب انفسنا كما نخاطب اسياس وزمرته لنقيس فيها النبضات ونتحسس دواخلنا لنقتلع كل عوامل الاخفاق ونشعل حريق الارادة من جديد الذي لن ينطفئ إلا بتحقيق الاهداف التي تأسس من اجلها الحزب ونشحذ من العزائم التي ربما مع طول الزمن وتبدل الاحوال والظروف ومرور السنين قد وهنت، ومن خلال هذا الاحتفال نريد ان نقول لكل الارتريين بان هذا الحزب هو رصيدكم وأصبح جزء من التاريخ الارتري الحديث وستذكر الاجيال وبكل انصاف واعتزاز بان هذا الحزب قد لعب دورا ايجابيا ومؤثرا في مسيرة التحول الديمقراطي التي انتظمت في بلادنا، وعليه نقول بأننا نعمل لكي يحاكمنا التاريخ وبما ان محكمة التاريخ لن ترحم بالتالي نعمل بوضوح مع رسالتنا التي اعلناها منذ تأسيس الحزب ومسيرتنا خلال السنوات التي مضت تذخر بمساهماتنا ويشهد لها كل رفاقنا في ساحة المقاومة وخارجه.
وبالرغم من الظروف القاسية التي اكتنفت قيام وتأسيس الحزب إلا ان من تنادوا الى تأسيسه كانوا مشبعين بروح الامل والتفاؤل وكانت لديهم ثقة في هذا الشعب الذي لن يصبر طويلا على الضيم، نعم شعبنا يوصف بالصبور ولديه تحمل غير عادي إلا انه في ذات الوقت لديه العقلانية والتفكير السليم الذي يمكنه في لحظة من اتخاذ القرار السليم، وانطلاقا من هذا فان رسالة الحزب كانت تحمل رسائل النذير والتحذير من استمرار النظام على مغبته وتركه يلعب بمصير الوطن كانت رسائل تذكر بوصايا الشهداء التي وان تناساها وتنكر لها النظام فهي ستظل حادي الدرب الى تحقيق امنياتهم التي وهبوا من اجلها ارواحهم من غير انتظار لثمن او مقابل، فارتريا الحرة والشعب الحر الكريم وتحقيق ذلك على ارض الواقع هو الشكر الحقيقي والذكرى التي بها نتذكر شهدائنا وتضحيات شعبنا الجسيمة التي شارك كل ابناء الشعب وليست هي محل مزايدة من احد او من طرف.
فالواقع المؤلم الذي نعايشه اليوم لن يتغير إلا بالعمل الجاد الدؤوب المتواصل وبدفع التضحيات، وهذا الفهم هو كان المنطلق ولا يزال راسخا في حزبنا يدفعنا لمزيد من العمل والاستمرار فيه، فنحن نثق بالنتائج على انها سوف تتحقق ولكن لن نجزم بوقت حدوثها ونؤكد بان التعجيل في حدوث النتائج المرجوة مترتبة على المشاركة المتدفقة من كافة قطاعات شعبنا وان يتفاعل كل الذين يتلوون الما من تصرفات النظام حتى يصبحوا اداة ليست صامته جامدة انما اداة فاعلة تؤثر في الحراك وتتقدم به، لا سيما وان العمل ضد النظام صار متاحا للكل بالشكل وبالطريقة التي يجيدها ويأنس اليها، فليس هناك حكرا على اسلوب معين او على مجموعة معينة هي التي تقوم بالعمل المعارض، بل ان مقاومة النظام صار لزاما على الجميع ومن هذا المنطلق والفهم فقد اتجه الحزب ومنذ تأسيسه الى كل ابناء الشعب الارتري ايذانا ببدء نشاطه وركز على شريحة ابناء الجبرت بالذات لأننا نؤمن بان الصراع من اجل البقاء هو اساس النضال قبل البحث عن شكل الحياة نفسها، فالنظام وعبر سياساته التي اراد بها تفريق الشعب وتمزيقه فقد شغلهم فيما لا طائل من ورائه فكان يهدف من سياسته تلك الوصول الى ازاحة الجبرت من جغرافية الوطن والديمغرافية السكانية مكتفيا بالتصنيف الجديد الذي وضعه بناء على اللغات التي يتحدث بها اهل ارتريا، وقد عبر الجبرت عن رفضهم الذوبان تبعا للتصنيف الجديد إلا انه قوبل بالرفض المتعنت من قبل النظام، وتعنت النظام بشكل غريب مما يفهم منه وبالتأكيد على ان العمل يتم بانتهاج سياسة مدبرة تهدف الى ما هو اكبر من الجبرت فهو انهاء ارتريا التاريخ والجغرافيا فقد قسم ارتريا الى مناطق بموجبها تم الحاق مناطق بأخرى لا تجانس بينها مما اوقع شعبنا في اشكالات تنذر بعواقب وخيمة.
وحتى يفهم شعبنا مقاصد هذا الحزب جيدا فإننا وان كان الحزب يذخر بأبناء الجبرت فانه وبمبادئه ورسالاته التي تستهدف سلامة الوطن ووحدة الشعب وتحقيق امنيات شعبنا في وطنه قد كسب تعاطفا من قطاعات واسعة من ابناء شعبنا، والسبب يعود للوضوح في رسالتنا وبأننا نسخر كل امكاناتنا للوقوف الى جانب كل مظلوم وإننا جزء عزيز وأصيل من الشعب ومن هذه الارض ولأننا نؤمن بأنه لولا هذا الايمان لما ناضل الجبرتي من اجل ارتريا وألان ايضا ايماننا ويقيننا بان العدو اللدود للشعب هو النظام الذي اوصلنا الى ما نحن عليه اليوم من وضع لا يمكن وصفه إلا بالمشئوم وان قيام التنظيمات على تعدد الخلفيات لما كان ليحدث لو ان النظام استطاع بسط الحريات واحتواء كافة شرائح الشعب والوفاء بمطالب الجميع وحقوقهم.
نحن نؤمن بان الاقدار تتحرك صوب رغبة الشعب وان الارادات الطيبة ان لم تتحرك وجد الاشرار فرصتهم فهم يعيشون بالطول والعرض متنعمين ونحن ندفع الثمن، والسؤال الم يحن الوقت لكي يتحرك شعبنا صوب الاقدار الطيبة ونحو المستقبل الذي يتشوق اليه فأرضنا صارت وطنا ولكن بناء الاوطان يستحق منا الكثير، فالنظام ناهيك ان يبني بل قد هدم كل ما كان، والمصيبة انه هدم روح الانتماء لدي جيلنا الحديث كنتيجة طبيعية للسياسة التي يتبعها بان جعل الجميع عميانا وصما وبكما، فالانتماء للوطن يكون تبادليا وبقدر عطاء الوطن للمواطن يبادله الولاء الذي يتضح في البذل والبناء والذود والدفاع.
ومن الطبيعي ان يكون التساؤل على كل لسان ارتري الى اين يسير هذا الحزب وما هي وجهته والى اين يريد ان يصل، فان هدفنا ووجهتنا قد تجلت من خلال انضمامنا الى التحالف الديمقراطي الارتري مباشرة بعد المؤتمر التأسيسي وهذه الخطوة انطلقت من اننا نؤمن بان العمل الجماعي وبتضافر الجهود وتسخيرها من اجل انقاذ الوطن وانتشاله من الوحل هو الوسيلة الوحيدة لا غير لبلوغ الهدف المنشود، ومن خلال هذا الانضمام لهذه المظلة التي انضوت فيها معظم القوى الوطنية اكد الحزب بأنه يعمل لهذا الوطن وتأسس من اجل الشعب وفي ذات الوقت يؤمن بان طرح القضايا على الجميع وبدء بالقوى السياسية للنقاش والتداول والحوار السليم الذي يرتكز على الاحترام المتبادل وإعمال العقل والتفكير بتجرد هو الكفيل بردم هوة التباينات وصولا لغاية واحدة وهي اعادة الثقة الى بعضنا البعض وان يكون لدينا المقدرة الكاملة لسماع الاخر دون ازدراء او التقليل من شانه مع الاخذ في الاعتبار ان كل المطالب التي وجدت على الساحة وصار لكل مطلب من يتبناه من الاحزاب والتنظيمات هو افراز واقع لا يمكن القفز فوقه او التعامي عنه.
ولكن ومن خلال الحوارات المستمرة والتقارب فيما بين كل القوى السياسية تمكنت القوى السياسية من ازاحة كل الحواجز وخطت خطوة جريئة في الانفلات من الانغلاق والارتباط بالماضي لكي نمضي بصورة يتطلبه الواقع في تفهم لمعطياته ودينامكية كاملة تمكننا في ان نكون في مرونة متناهية تقف وراءها عقلية تتسم بسعة الافق وتعمل وفق استراتيجية تجعل من شعبنا هو الفيصل في المطاف الاخير ويترك له الخيار في تشكيل منظومة حياته ولكننا جميعا نجتهد في صناعة الفرص والبيئة المناسبة.
والسلطة والتنافس عليها وان كان من صميم عمل الاحزاب السياسية إلا ان الحزب ومنذ تأسيسه ادرك بان المرحلة الحالية هي مرحلة مقاومة وتتطلب بان نبعد جميعا عن التنافس فيما بيننا الذي يشغلنا عن هدفنا الرئيسي وهو ازاحة النظام وإحلال البديل الديمقراطي وقد تجلى ذلك في بداية المشوار في عام 2007 عندما عقد المؤتمر التوحيدي في اديس وقد صار التجمع على كتلتين والسبب وراء ذلك كان نزاعا حول من يتولى القيادة ونحن في الحزب اكدنا حيها اننا لم نات لكي نشهد مثل هذا واخترنا بان نكون بعيدا عن النزاع وبالتالي كانت لنا فرصة العمل للتقريب بين الطرفين ولعب حزبنا دورا كبيرا في عقد المؤتمر التوحيدي في عام 2008، والحزب اجمالا لعب ادوارا مشهودا في كل المظلات التي اقيمت وفي الطريق اليها وقد مكن الحزب من لعب تلك الادوار بأنه يمتلك علاقات متينة مع الجميع باعتبار التوافق على الاستراتيجية، وفي ذات الوقت نؤمن وكحزب سياسي بان التنافس على السلطة يكون في مرحلة ما بعد زوال النظام وعندما يكون مقر الاحزاب في داخل الوطن وتمارس نشاطها وفقا للدستور والقانون، وشرطنا بان يكون الوطن والشعب فوق كل اعتبار بمعنى التنافس لن يؤدي الى تفتيت الشعب والوطن وإضعاف عوامل تقدمه ونمائه.
وان الذين تنادوا لتأسيس الحزب كانوا من الشباب الواعيين وقد دفعهم الى ذلك ما ذكرنا من الاسباب وهؤلاء الشباب هم من ابناء الجبرت وقد عقد المؤتمر التأسيسي بحضور كافة شرائح المجتمع الارتري وفي مقدمتهم قادة التنظيمات والأحزاب التي كانت تنشط حينها في الخرطوم، لقد كانت بحق تجربة رائدة وتستحق التوقف عندها والجدير ذكره هو ان كل من حضر المؤتمر التأسيسي تنبأ لهذا الحزب بمستقبل مشرق وان يكون له شان في ساحة المقاومة الارترية، وفعلا لم يكن حزبا موجودا في فترة الكفاح المسلح وقد يطلق عليه حزبا ناشئا لكنه برجالاته وشبابه هو امتداد ليس لحقبة الكفاح المسلح انما لحقبة المناداة بالاستقلال وان تكون ارتريا دولة مستقلة، ومما خلق للحزب بريقا هو التاريخ الحافل لأبناء الجبرت ووطنيتهم وإخلاصهم للوطن فهم من صلب هذا الشعب ا وعاشوا حياتهم كلها وهم ينادون بإرتريا دولة مستقلة وقد روي عن احد مشايخ الجبرت وهو خال الشيخ محمد جهار حقوس رحمة الله عليه بأنه قال: عندما تستقل ارتريا تعالوا الى قبري واخبروني.
وكان استمرار الحزب من عدمه محل التساؤل ولكن العشر السنوات هي شهادة ديمومة لهذا الحزب وقد تأكد ذلك بقرار المؤتمر الثاني للحزب الذي عقد في عام 2012 بان هذا الحزب سيستمر حتى بعد زوال النظام الذي يحكم البلاد من غير شرعية ثورية او دستورية لأنه أي حزب النهضة الارتري وجد لخدمة الشعب، والحياة المقبلة تتطلب عمل مضني لأننا سنبدأ في وضع اللبنات الاساسية لدولة حديثة قادرة على تحقيق الرفاهية والسلام والاستقرار لشعبها.
حقا لم يكن بلوغ العام العاشر سهلا بل بالعكس لقد واجهتنا تحديات كبيرة وتمثلت في اولاها عندما قرر النظام الارتري اعادة العلاقة مع النظام في السودان دون قيد وشرط وكانت الزيارة بوفد يقوده يماني قبراب وعبدالله جابر في نفس عام التأسيس وهو 2006، و العمل السياسي بطبيعته مليء بالمشاكل ولكن بقوة الارادة والتصميم فقد استطعنا والحمد لله تجاوزها والوصول بالحزب الى ما هو عليه اليوم، حيث يحظى بمكانته اللائقة بين كل التنظيمات وفي وسط ابناء الشعب الارتري جميعا، وقد اثبتت الايام انه بحق كان اضافة ايجابية للساحة وقد شهد نشاط المعارضة عقب تأسيس الحزب حراكا بشكل ملفت للنظر ولا يزال حتى يومنا هذا يلعب الحزب الدور المنوط به على اكمل وجه.
فنحن في الحزب نريد للمواطن الارتري بان يحس بكرامته ويعيشها واقعا ونعتبر كرامة المواطن خط احمر لا يمكن المساس به او تجاوزه ويشمل ذلك احترام معتقده ولغته وانتمائه القبلي والمناطقي وتراثه وأرضه ورموز الوطن، وقد كان جليا موقفنا عندما تم التناول بالإساءة والتجريح في رمز الوطن والذي اطلق شرارة الكفاح المسلح الشهيد حامد ادريس عواتي فكان هذا الموقف وغيرها من مواقف الحزب الصلبة تنبع من ايماننا ومبادئنا وليس ارضاء لأحد او كسبا لموقف حيث يتطلبه العمل السياسي.
فالوصول الى احلال الديمقراطية في بلادنا بديلا عن الاحادية والديكتاتورية يبدأ من انفسنا على مستوى الافراد بان نكون اكثر وعيا وان يكون بمقدورنا غربلة المفاهيم التي ورثناها دعونا نتعرف على بعضنا البعض عن قرب ولنحاول ان نطبق المسلك الديمقراطي في تنظيماتنا لنكرس ثقافة الامل والتفاؤل دعونا نكون قادرين على محاكمة انفسنا وتصرفاتنا قبل محاكمة النظام وتصرفاته.
فتغيير الواقع يبدأ من تغيير المفاهيم فمتى تشبعنا بثقافة الحب والإخاء والإنصاف قادرين على الحفاظ على الوحدة الوطنية ونعزز من روح الانتماء للوطن.
فنحن في الحزب وإذ نحتفل ببلوغنا العام العاشر ونستشرف العام الجديد 2016 بعقد اجتماع القيادة المركزية في دورته الثالثة والذي تمخضت عنه مخرجات تهدي السبيل وتعيننا على بلوغ المؤتمر العام الثالث للحزب بانجاز كافة برامج ومشاريع الحزب للفترة، فإننا نأمل بان يكون احتفالنا ببلوغنا لعام الحادي عشر في بلادنا العزيزة ونتطلع بان يكون هذا العام حافلا بالانجازات والعمل الدؤوب اكثر من أي وقت مضى فهو وقت مناسب لكي نقسم لكم بأننا ماضون على الدرب حتى تحقيق وصايا شهدائنا ويجدر بي هنا ان اذكر كلمة للشيخ محمد جهار حقوس رحمه الله القاها في مؤتمرنا الاول عام 2008 عندما قال (الان امضي عن الدنيا وأنا مرتاح البال راضي النفس طالما وصلنا بالحزب الى المؤتمر الاول وطالما رأيت بعيني هؤلاء الشباب والرجال الذين يحملون القضية) نحن في الحزب على العهد قطعناه لكل شهدائنا بأننا نعمل ليكون حلمنا حقيقة وهو ان تكون ارتريا حاضنة لكل ابنائها فأرضنا تذخر بالخير وشعبنا لديه المقدرة على فعل المعجزات ولنسعد لاقتلاع الشر الذي جعل اسم بلادنا في كل قوائم الجوع والحرمان والبؤس والتشرد، فنحن قادرون بإذن الله فلنشحذ الهمم وتخلص الارادة.
وكل عام وانتم بخير
ومسيرة النهضة للأمام
والسلام عليكم ورحمة الله،،،